كابتن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


كابتن للبرامج للرمضانيات للالعاب للاسلاميات
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  نبض المفتاح...

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
zina




المساهمات : 5
تاريخ التسجيل : 21/08/2010

 نبض المفتاح... Empty
مُساهمةموضوع: نبض المفتاح...    نبض المفتاح... Emptyالسبت أغسطس 21, 2010 8:31 pm

نبض المفتاح



انساب هذا الصوت في أذني ليسري في أنحاء جسدي و يبعث فيه شعورا غريبا من السكينة حملني على غيمة حريرية لتحلق بي بعيدا عن هذا العالم القاسي الذي لم يستطع أرسطو و لا غيره من المتفلسفين أصحاب الألسن الطويلة من أن يفسروا خباياه و ملامحه الضبابية...بدأت أميز هذا الصوت شيئا فشيئا مع استعادتي البطيئة لوعيي...فتحت عيني ببطء و زال الغطاء الدخاني عنهما تدريجيا ...كانت جدتي جالسة بالقرب مني تحمل في يديها المرتجفتين مصحفا صغيرا ...تنظر الي بعينين تشعان حنانا، لطالما رأيت فيهما الدفء و الملاذ الآمن ...كانت تزين شفتيها ببسمة خففت فيها من المخاوف المتناثرة على قلبي فرددت لها الابتسامة و أخذت أتجول بعيني في أرجاء الغرفة...كانت واسعة...مليئة بأسرة المرضى الخفيفة التي تحيط بها الستائر الزرقاء...تفوح فيها رائحة الألم ...يعمها الهدوء الذي يتخلله أنفاس المرضى و آهاتهم المكبوتة.

تسلل صوت الأذان الى الغرفة من خلال النافذة الكبيرة التي تستطيع من خلالها أن ترى انعكاس أشعة الشمس على قبة الصخرة الذهبية لتزيدها رونقا و شموخا في سماء القدس على الرغم من الأشواك التي تحيطها من كل جانب...ارتخت آذاننا لتسمح لصوت الأذان بأن يهل داخلها و يطربها بصفاء كلماته و عذوبة لحنه...تبسمت حين عدت بالزمن الى تلك الليلة الرمضانية المباركة التي تفتح فيها أبواب السماء و تنشر فيها الملائكة عبير خشوعها مع رائحة الياسمين المنتشرة في أزقة القدس القديمة...كانت أفواج الناس تهل عليها من كل صوب و حين فكل يطمع في السجود و ارخاء الدموع للتعبير عن حاجتهم للرحمة في مسرى النبي عليه السلام ...مشيت برفقة جدتي متأملة الزينة الرمضانية التي أبدع شباب القدس في عملها ...كانت السعادة تضيء وجهي في تلك الليلة حيث أنني كنت قد رأيت والدي فيها فقدرنا كفلسطينيين شاء أن لا نجتمع به كثيرا فقد حكم عليه بالحرمان من استنشاق هواء القدس و التجول في طرقاتها حين أبى أن يبيع البيت الذي لطالما رحب به في أحضانه و سهر على سطحه ملقيا بهمومه الى القمر المتربع على عرش السماء في مملكة السمر ...بقي والدي داخل حدود الوطن لكن خارج أسوار القدس كتاب ذكرياته يستغل كل فرصة تتاح له بالتسلل الى القدس من بين الأسلاك المكهربة قافزا عن الجدار الذي فرق القدس عن أبنائها من مدن و قرى فلسطين عله يستطيع رؤيتنا و لمس جدران بيته للتأكد من أنه لا يزال حقيقة ...كان في كل مرة يراني فيها يحدثني عن القدس و البيت الذي سجل في جدرانه تاريخ أجدادي و ضم بصماتهم المحفورة في أركانه و الشاهدة غلى بناءهم له حجرا حجرا...كان يتأمله و كأنه يريد أن يحفظ صورته في ذاكرته خوفا من أن لا يستطيع رؤيته مرة أخرى.

كنت أسمح لروحي بالسفر و زيارة والدي في أحلامه في كل مساء تغيب فيه الشمس دون أن تحظى الشمس برؤية لقاء أعيننا و سماع حديثنا من تحت الدالية التي تمتد في باحة منزلنا و المزينة بعناقيد الكروم المتدلية منها كالنجوم ...كانت جدتي تبعث له بالرسائل و السلامات مع كل من يذهب الى رام الله و كنا نزوره بين الحين و الآخر بعد أن جتاز الحواجز و مراكز التفتيش التي لا تترك طفلا أو امرأة أو شيخا دون أن تلتهمه بأدوات التفتيش المتعددة.

تعالت الأصوات فجأة و اختلط صوت سيارات الاسعاف بجرس النداء الذي بنبئ الممرضات و الأطباء بأن هنالك حالة طارئة ...احتشدت الممرات بالناس الذين استولى التوتر على ملامح وجوههم و امتلأت الأسرة بالمرضى و أخذت ملائكة الرحمة تنتقل من مريض الى آخر راسمة البسمات على وجوهها و ملقية دوائها على جروحهم لتخفف من آلامهم بقدر ما تستطيع.

كان هنالك طفل على السرير المجاور لسريري قد جرحت يده جرحا عميقا و قام الطبيب بتطهير الجرح و خياطته و كانت أمه برفقته تحاول أن تبعده عن التفكير بالألم ...تحبس دموعها داخل عينيها المرهقتين اللتين قد تكلل السواد أسفلهما و قد ترآى لناظري أن هالة من الحنان تشع من وجهها.

سألت جدتي المرأة : (ما الذي حدث يا ابنتي؟ )

نظرت الينا المرأة بابتسامة باهتة و أخرجت آه أحسست أنها قد أخرجتها من أعماق قلبها و كأنها تسعى لاخراج همومها معها و قالت: (استيقظت باكرا... أشعلت نار الحطب ...و نشرت الدفء في أنحاء بيتي ...جهزت العجين و خبزت أرغفة الخبز المستديرة لأسد بها جوع أطفالي...خرجت الى الحقل الذي رسخت أشجار الزيتون فيه جذورها و ألقت تحية الصباح كل يوم على شمس القدس منذ سنين طويلة و مدت الفلاح الأسمر ذو الفأس الحديدي بالظل و الزيت اللامع )

توقفت عن الكلام و مسحت دمعة يتيمة سالت على وجنتها بأطراف أصابعها ثم تابعت ( كان زوجي يقف على سلم مرتكز على جذع الزيتونة القوي و يقطف حبيبات الزيتون الخضراء التي ينساب منها الزيت بمجرد لمسك اياها ... بدأت بقطف حبيبات الزيتون و سرعان ما لحقنا اثنين من أطفالي ليساعدانا في القطف... فجأة وصلت رائحة دخان الى أنوفنا فالتفتنا حولنا فاذا بغيمة دخانية عملاقة قد غطت بدايات الحقل و من تحتها نار مسودة تلتهم كل ما يقف في طريقها ... قبل أن نستوعب ما يحصل فاذا بصوت تكسر زجاج ينطلق من البيت فهرعت أركض اليه حيث أن ابنتي و طفلي الأصغر ما زالا داخل البيت )

توقفت المرأة عن الكلام لتقدم الماء الى طفلها الذي قد شعر بالعطش ... التفت الى جدتي فاذا بيدها قد امتدت لتقبض مفتاح بيتها المعلق في سلسلة حول رقبتها و يبدو أنها قد شردت بأفكارها الخاصة .

تابعت المرأة كلامها و قالت( كان المستوطنون قد قاموا برمي شعلات النار على كل الحقول في المنطقة و لم يكتفوا بذلك بل قاموا بضرب واجهات البيوت بالعلب الزجاجية و المعدنية... و حين وصلت الى البيت وجدت ولدي قد جرح في يده كما ترون)

لقد حان وقت خروجي من المشفى ...شعرت بسعادة غامرة لأنني سأستطيع أخيرا القاء التحية على العصافير المحلقة حول المسجد الأقصى و ألقي بنفسي في أحضان بيتي الدافئ ... ودعت محمدا هذا الطفل الذي كان جاري ليوم واحد فقط و استمعت الى نصائح الطبيب و ارشاداته بصبر نافذ فجل ما أريده الآن هو أن أركض كالأطفال في شوارع القدس و أشم رائحة الحياة المنتشرة في أرجائها .

لمست رأسي كان مغطيا بالشاش الأبيض و على الرغم من السعادة التي شعرت بها الا أنني أحسست بغصة في قلبي ...خرجت من المشفى و ها أنا متوجهة الى داري و قد بدأت ذاكرتي تسترجع كل ما جرى على الرغم مني...كنت جالسة على الشرفة أقرأ كتابا و بجواري تجلس جدتي و تطرز ثوبا فلسطينيا ... تفاجأنا بسيارة شرطة تقف على باب البيت و يخرج منها شرطيان اسرائليان و يتوجهان نحو الباب..رن الجرس و توجهت جدتي نحو الباب لتفتحه و لحقتها أنا بعد ثوان ...كان يلبسان الزي العسكري و ملامحهما حادة جامدة... ساد الصمت للحظات و لاحظت نظراتهما المتفحصة لأرجاء البيت ثم قال أحدهما: ( لقد جئنا لنقول لكم انه قد تبين أن الأوراق الثبوتية التي تملكونها لتثبت ملكيتكم لهذا البيت غير رسمية و سيتم مصادرة البيت و اعطاؤكم مهلة لمدة شهر تقومون خلاله باخلاء المكان)... بانت ملامح الصدمة على وجوهنا و شعرت بأنني في كابوس تنبح فيه الوحوش و تسد الهواء النظيف عن رئتي ...تابع الآخر و هو يبتسم ابتسامة جانبية تنفر من يحيط به ( و عليك أيتها الجدة أن تبصمي على هذه الأوراق ) رفضت جدتي ذلك فقال أحدهما : ( هيا .. سيوفر ذلك الكثير من العناء عليك ، فان بصمت على هذه الأوراق سنعوضك ماليا و سنضمن لك الحصول على بيت أجمل و أوسع من هذا البيت المهترئ !! ) ..ازداد صوت جدتي حدة و هي تقول: ( لن أبصم على شيء .. هيا اخرجوا من بيتي بسرعة )..أصبحت ملامح الشرطيين حادة أكثر و بدا أنهما على وشك الانفجار من الغضب فصرخ أحدهما و هو يتوجه نحو جدتي ليرغمها على أن تبصم على الأوراق التي يحملها: ( هيا أيتها الجدة... ليس لدينا وقت لنضيعه )...كنت أقف في احدى الزوايا و أراقب ما يحدث بصمت و لم أشعر بنفسي حين توجهت الى ذلك الشرطي الحاقد لأدفعه و أبعده عن جدتي الا أن الشرطي الآخر قام بدفعي ليرتطم رأسي بالحائط و تتكون صورة سوداء أمام عيني فأفقد شعوري بما يجري حولي.

أمسكت جدتي بيدي حين وصلنا الى باب الدار و يبدو لي أنها قد قرأت أفكاري حينها... نظرت الى عيني باصرار و أزالت السلسلة التي تحمل مفتاح البيت من حول رقبتها ثم و ضعتها حول رقبتي و احتضنت المفتاح بثبات باحدى يديها و أشارت الى قلبي باليد الأخرى ثم قالت و هي لا تزال تنظر الى عيني: (احفظيه في قلبك الى الأبد ).







أتمنى أن تنال اعجابكم



تحياتي المحملة بعبق ياسمين القدس

و رمضان كريم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نبض المفتاح...
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كابتن :: القسم العام :: القصص والحكايات-
انتقل الى: